الإسلام في بلغاريا:
بلغاريا إحدى دول البلقان، ومن دول أوروبا الشرقية، خضعت لسلطان الخلافة العثمانية قرابة خمسة قرون (796 - 1295هـ / 1394 - 1878م)، ثم أنشئت إمارة بلغاريا عقب اتفاقية برلين سنة 1295هـ / 1878م، وكان الأتراك يشكلون حوالي ثلث سكانها، ثم توسعت على حساب الدولة العثمانية، وتكونت بها مملكة في سنة 1326هـ / 1908م. وفي الحرب العالمية الأولى اشتركت مع ألمانيا فهزمت وتقلصت مساحتها، وفي الحرب العالمية الثانية انضمت إلى ألمانيا مرة أخرى، فهزمت للمرة الثانية وغزاها الروس، ثم سيطر عليها الشيوعيون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي سنة 1960م صدر قانون تسجيل السكان. ويحتم على المسلمين أن يتخذوا أسماء بلغارية، واستخدمت السلطات البلغارية القوة في تنفيذ هذا القانون في سنة 1982م. واحتجت على ذلك تركيا فمعظم المسلمين البلغار من أصول تركية، ثم تغير الوضع بعد سقوط النظام الشيوعي في شرقي أوروبا وفي الاتحاد السوفيتي.
المساجد العثمانية في بلغاريا:
تألقت بلغاريا بين دول البلقان بالمساجد الإسلامية طوال فترة الحكم العثماني على مدى خمسة قرون (796 - 1295هـ / 1394 - 1878م)، وزخرت بمئات المساجد، ولكن بعد سقوط الخلافة العثمانية واستقلال بلغاريا عنها عادت إلى الطابع الأوروبي المسيحي الذي طغى على معظم هندستها العمرانية من دينية وغيرها، عدا الطراز الروسي الذي غلب على معظم الزخرفات الفنية داخل وخارج المسارح والمدارس والكاتدرائيات والمؤسسات والمتاحف! لذا لنبحث سويا كيف تحولت بلغاريا من التشييد العمراني اليوناني إلى البيزنطي إلى العثماني ثم إلى الروسي والأوروبي.
وقد زخرت بلغاريا بأجمل المساجد وأكبرها وأقدمها أيام حقبة الخلافة العثمانية حتى بلغت أكثر من ألف مسجد، ولكنها انحسرت كثيرا بسبب هجرة الأتراك المسلمين وغيرهم من البلغار المسلمين إلى دول أوروبية وتركية مما أخّر في دعم صمود هذه المساجد القديمة التي تعرضت للتدمير أثناء الحربين العالميتين، ومن ثم تعرضها للتلف والهدم والانهيارات من جراء عدم الاهتمام بها من قبل الدولة والقيمين عليها؛ بسبب عدم توفر ميزانية مالية لدعمها والاهتمام بها، وعدم استصدار قانون لترميمها أوالسماح بإنشاء مساجد جديدة بدل القديمة، فتحول الجميل منها إلى متحف (مسجد بيوك العثماني)، وأقفل المنهار والمتهدّم بعض أجزائه أثناء الحكم الشيوعي، وكذلك كانت هناك أسباب عرقية تؤزم إنشاء مساجد جديدة، حيث أغلقت بعض المدارس الإسلامية، وحدّ من من تحركات الجمعيات الناشطة الإسلامية.
لكن اليوم وبعد دعمها من بعض الدول الإسلامية (الكويت - الإمارات العربية المتحدة - المملكة العربية السعودية - وقطر - وتركيا) وغيرها من الدول الإسلامية وكذلك البنك الاسلامي، والمنظمات الإسلامية الخيرية، فأصبح عدد المساجد اليوم يتعدى الألف مسجد، عدا إنشاء المدارس والجامعات المختصة بالمسلمين البلغار "كلية الشريعة والآداب، والإدارة والفنون، ومعهد تعليم اللغة العربية والتركية". وأصبح المسلمون يمثلون نسبة مهمة في البرلمان البلغاري حوالي 24 عضوًا من أصل 250 عضو من مكونات الشعب البلغاري. وأهم المساجد هي:
مسجد إبراهيم باشا:
بني في عام 1025هـ / 1616م. في مدينة رازغارد البلغارية، ويعد من أهم المساجد الأثرية التاريخية، وهو ذو طراز عثماني، يعرف من منارته المدببة كرأس القلم، وقبابه المتعددة والمتراصة وكأنها تؤم للصلاة.
مسجد بنيا باشي:
عرف بهذا الاسم "بنيا باشي" أي الحمامات التركية الكثيرة، بني في العاصمة صوفيا عام 984هـ / 1576م. وضع خطط هندسة بنائه العبقري المعماري العثماني سنان باشا وأشرف على بنائه، وهو مبني من الحجارة الحمراء الداكنة البنية اللون المتراصة، هندس على شكل مربع محافظًا على الطابع العثماني. وهو مؤلف من ثلاث طوابق تعلوهم قبة بيضاء كبيرة، وقد بني حماما تركيا في أحد جهاته الأربع حيث تعلوه المئذنة الحمراء القاتمة (البُنية) الأسطوانية الشكل المدببة الرأس وهو طراز عثماني بامتياز.
ويدخل إليه بوابات بيضاء تعلوها أقواس مدببة عثمانية الطراز ومزينة بزخرفات نباتية، ومن الداخل يوصف بأنه يخاله الزائر تحفة فنية تغزوها جماليات زخرفية متنوعة. ولقد تعرض هذا المسجد للإهمال والإقفال أثناء الحكم السوفياتي إلا أنه رمم وأُهِّل للمصلين ليئموا صلاتهم ساعة يشاؤون، وهو أيضًا مقصدًا للزوار السائحين لأنه من المساجد القليلة المتميزة بفنية هندستها وبراعتها المعمارية والمتبقية في صوفيا شاهدة على سيطرة العثمانيين على العاصمة البلغارية لمدة خمسة قرون، بعد أن حوّل أجملها وأقدمها وأكبرها إلى متحف.
مسجد بيوك العثماني:
بدأ بناء مسجد بيوك في عهد الفاتح العثماني محمد الثاني الذي سمي فاتح القسطنطينية. وقد بني على أسسه القديمة التي كانت على الطراز البيزنطي الذي كان سائدًا في البنى المعمارية التقليدية لتلك الفترة، إلا أنه كان مميزًا بضخامته وفخامته وتم الانتهاء منه في عام 879هـ / 1474م وكرِّس في عام 899هـ / 1494م مسجدًا للصلاة. يقع المسجد في وسط صوفيا العاصمة. وهندس بعبقرية متميزة على شكل مربع بـ 36م طول و30م عرض، ومؤلف من طابقين ويعلوها القباب التسع التي تدعمها الأعمدة المعدنية المتميزة بجماليتها الهندسية المتمازجة بين الطراز العثماني والبيزنطي، والجدران الصلبة والمتناغمة بزخرفتها مع جمالية قاعة الصلاة التي تعلوها أربع ركائز صلبة لتحمي القباب من التداعي. ويدخل إليها عبر باب خشبي ضخم مزخرف ومنقوش بالآيات القرآنية، حيث تتوزع منه ممرات إلى غرف عديدة متوزعة كأجنحة تحيط بصالته المربعة، وهذا ما يفوقه بقدراته الهندسية والمميزة عن باقي المساجد أو العمائر.
وقد تم تحويله في الحرب الروسية - التركية (1877 - 1879م) إلى مستشفى لعلاج جرحى الحرب، ثم تحول إلى مكتبة وطنية مع تأسيس الدولة البلغارية، وبعد عام 1890م حوله العالم التشيكي "كونستانتين" إلى متحف، ثم أصبح متحفًا وطنيا ومعهدًا للآثار في عام 1921م، حيث وضعت فيه جميع المكتشفات الأثرية من الأراضي البلغارية ومنها ما يعود إلى العصور البرونزية، وهو من أهم المتاحف الأثرية في صوفيا التي تملكها بلغاريا، ويعد أكبر متحف للآثارفي بلغاريا وأوروبا ومازال شامخًا إلى يومنا هذا. وأضيف إليه جناحين إضافيين لتتسع للقطع الأثرية داخله عام 1939م في شمال شرق قاعة الصلاة وفي جنوب غربها، ودعمت أيضا بالأعمدة المعدنية لتتناسب مع جمالية بناء المسجد وتتناغم معه بزخرفتها أيضا، كما أضيفت أروقة جديدة بعرض 2.80م لوضع النصب الحجرية.
وقد تم إغلاقه منذ عام 1990م ولأكثر من 10 سنوات لإعادة تأهيله وترميمه وإصلاحه (2004-2006م)، واستخدم الطابق العلوي كمكتبة وطنية تزخر بأهم المخطوطات الأثرية العلمية والفلسفية والدينية، وفي عام 2005م احتفل بذكرى تأسيسه المئوي كمتحف (1905م)، وما زال متحفًا إلى يومنا هذا يؤمه السائحون من كل بلاد العالم على غرار آياصوفيا في إستانبول والذي كان كنيسة ثم حوِّل إلى مسجد ثم إلى متحف في عهد أتاتورك وما زال متحفًا رائعًا بإبداعاته الهندسية إلى يومنا هذا.
ومسجد بيوك في بلغاريا يشبه طراز مسجد أوللو في بورصة، وهو يحتوي الآن على 55 ألف قطعة أثرية تعود لـ 2700 عام للحضارة التراقية - اليونانية والحضارة الرومانية والبيزنطية والإسلامية، وعلى أكثر من مليون و300 ألف قطعة فضية وذهبية وبرونزية من العملات للحضارات القديمة والأديان، عدا القطع الأثرية من الفخار والمعدن والحجر ويعد من أكبر متاحف أوروبا الأثرية.
مسجد المقتول في رازغارد:
مبني بحجر صخري ومؤلف من أربع طوابق على شكل الطراز العثماني الذي تعلوه قبة كبيرة بيضاء، وترتفع من زواياه أربع مآذن مدببة الرأس ذات الشكل الأسطواني، وله عدة مداخل وتنيره النوافذ البيضاء.
مسجد عثمان:
بني على الطراز العثماني مربع الشكل وبأحجار صخرية مكحلة، وكأنها حديثة الطراز، ومؤلف من طابقين وتتخلله نوافذ وأبواب تحتل الشرفات الممتدة على جوانبه، وترتفع المآذن الأربع على زواياه، وبالطبع تعلوهما مئذنة طويلة للصلاة، إلا أن جماليته هي من الداخل، حيث تكسي جدرانه تحليات من الأقواس التي تعلوها الزخرفات بألوان حمراء وزرقاء داكنة وشرائط زخرفية نباتية مذهبة، وتتدلى الثريات من أسقفها لتنير قاعة الصلاة بأبهى حلة. أما المنبر فهو من الخشب المخرم يعلو سقف القوس المزخرف بأشكال هندسية في زاوية القاعة. أما بركة الوضوء فهي مزخرفة بالورود والزهور الملونة، وتعلوها آيات قرآنية للشفاء والتيمن بالبركات للأولية الصالحين.
وهناك مساجد كثيرة أثرية كمسجد سليستيا وكيرجيا علي، وغيره من المساجد الموزعة في كافة مناطق بلغاريا التي سكنها المسلمين منذ قرون عدة والتي تجاوزت الألف مسجد.
المراجع:
- آمال عربيد: بلغاريا ذاخرة بالمساجد العثمانية، موقع الاتحاد العام لعمال الكويت.
- محمود السيد الدغيم: انتشار الإسلام في بلاد البلغار، جريدة الحياة، العدد: 13813، 1421هـ / 2001م.
ليست هناك تعليقات: